من هو مخترع الكاميرا الحقيقي؟

من هو مخترع الكاميرا الحقيقي؟ رحلة التصوير عبر التاريخ

لطالما تساءل الكثيرون: من هو مخترع الكاميرا الحقيقي؟. الإجابة ليست بسيطة، فالتصوير الفوتوغرافي لم يكن اختراعًا لشخص واحد، بل هو نتاج سلسلة طويلة من الاكتشافات والتجارب عبر القرون.

بدأت الرحلة بفكرة الغرفة المظلمة أو القُمرة عند العالم العربي الحسن بن الهيثم، ومرت بأول الصور الفوتوغرافية في القرن التاسع عشر. كما شهدت الثورة الرقمية الحديثة ظهور الكاميرات الرقمية التي نستخدمها اليوم. ولم تخلُ بداية التصوير من بعض الأساطير الغريبة، مثل الصندوق السحري واليونيكورن، التي أضافت غموضًا لتاريخ هذا الاختراع.


ما معنى كلمة “فوتوغراف”؟

مصطلح Photography أطلقه العالم الإنجليزي جون هيرشل عام 1839. يتكون من كلمتين إغريقيتين:

  • فوتوز (Photo): تعني الضوء.

  • غرافين (Graphy): تعني الكتابة أو الرسم.

بالتالي، تعني كلمة الفوتوغراف حرفيًا “الكتابة بالضوء” أو “الرسم بالضوء“، وهو جوهر فكرة التصوير الفوتوغرافي.


البدايات: الغرفة المظلمة والقُمرة

بدأت فكرة التصوير منذ القرن الرابع قبل الميلاد، عندما لاحظ الفيلسوف الصيني موزي واليوناني أرسطو أن الضوء الذي يدخل من ثقب صغير في غرفة مظلمة يرسم صورة مقلوبة للمشهد الخارجي.

بعد ذلك، طور العالم العربي الحسن بن الهيثم في القرن الحادي عشر فكرة القُمرة. درس آلية الإبصار وشرح أن العين ترى بفضل انعكاس الضوء من الأجسام. كان هذا مخالفًا للنظريات القديمة لأرسطو وقياسات بطليموس.

إسهامات الحسن بن الهيثم

يُعد الحسن بن الهيثم أحد أبرز العلماء الذين طوّروا مفهوم الغرفة المظلمة (الكاميرا المظلمة). فقد قدّم دراسات أحدثت نقلة نوعية في علم الضوء والبصريات وتبدأ قصته في عهد الخلافة الفاطمية، تحديدًا عام 1110م، حين استدعاه الحاكم بأمر الله إلى مصر ليحل مشكلة فيضانات نهر النيل وبعد دراسته للمشكلة، أدرك ابن الهيثم أن حلّها مستحيل في ظل الإمكانيات المتاحة آنذاك خوفًا من العقاب، ادّعى الجنون فحبسه الحاكم في منزله تحت الإقامة الجبرية، مما منحه الوقت الكافي لتطوير أبحاثه في علم الضوء.

في القرن الحادي عشر، طور العالم العربي الحسن بن الهيثم فكرة الغرفة المظلمة أو القُمرة.

  • شرح الحسن بن الهثيم الرؤية تحدث بانعكاس الضوء من الأجسام إلى العين، مخالفًا النظريات القديمة.

  • أطلق بن ىالهثيم على اختراعه اسم القُمرة، وهو أصل كلمة Camera في اللغات الأوروبية.

  • ساعدت دراسات الحسن في الضوء والبصريات على فهم كيفية مرور الضوء عبر الثقب الصغير، وأصبحت قاعدة لتطوير التصوير لاحقًا.

 

أثبت ابن الهيثم أن الرؤية تحدث بانعكاس الضوء من الأجسام إلى العين، مخالفًا نظريات (إقليدس)و(بطليموس)و(أرسطو) كما درس ظاهرة مرور الضوء عبر الثقب الصغير في الغرفة المظلمة، وأطلق على اختراعه اسم القُمرة، ومعناها الغرفة المظلمة، وهي أصل كلمة “Camera” باللغات الأوروبية.

 


أولى المحاولات لحفظ الصور

بعد حوالي 400 سنة من ابن الهيثم، بدأ الفنانون في محاولة تثبيت الصور داخل الغرفة المظلمة.

لم تكن الصور فوتوغرافية حديثة، بل كانت رسومات يدوية على أسطح خاصة باستخدام آلة البورتريه. ساعدت هذه التقنية الرسامين على فهم الضوء والظل والمنظور بشكل أفضل.

 

ساعدت هذه التقنية الرسامين على فهم الضوء والظل والمنظور بشكل أفضل، واستخدمها كبار الفنانين مثل ريمبرانت، كارافاجيو، وفيرمير. حتى ليوناردو دافينشي قدم وصفًا تفصيليًا لها، واستعملها في رسم المشاهد ثلاثية الأبعاد على الأسطح المسطحة. كما استُخدمت القُمرة في الدراسات الفلكية لمراقبة الكسوف بأمان دون تعريض العيون للخطر.

 

 


الكيمياء تغيّر القواعد

مع تقدم العلوم، بدأ الكيميائيون في اكتشاف خصائص الضوء على المواد الكيميائية. في عام 1727، خلط العالم شولز حمض النتريك بالطباشير والفضة ولاحظ تغير لون الخليط عند تعرضه للضوء.

أظهرت هذه التجربة كيف يتفاعل الضوء مع المواد، رغم أنها لم ترتبط بالكاميرا بعد. تشير بعض المصادر إلى أن عالمًا عربيًا قديمًا يُدعى عبد الأمير اكتشف خليطًا حساسًا للضوء يحتوي على الفضة النقية، لكنه لم يستخدمه للتصوير.


أساطير الصندوق السحري واليونيكورن

ترافقت بدايات التصوير ببعض الأساطير الغريبة. كانت هناك إشارات إلى ما يُسمى الصندوق السحري.

كان يُعتقد أن السحرة يستخدمونه لحبس الأرواح أو لأغراض سحرية. تقول أسطورة أن الساحر مارلين، مستشار الملك آرثر، أمر بضرورة ثقب الصندوق بقرن اليونيكورن ليعمل، وإلا بقي بلا فائدة.


أول صورة فوتوغرافية حقيقية

في عام 1802، اكتشف العالم توماس ويدجود أن نترات الفضة تتفاعل مع الضوء، فأنتج أول صورة ظلية لكنها تلاشت عند تعرضها للضوء. في عام 1827، التقط الفرنسي جوزيف نيبس أول صورة فوتوغرافية حقيقية باستخدام مادة القار المذاب. استغرق التقاط الصورة ثماني ساعات، ووضع نيبس الصورة في زيت الخزامى للحفظ.


تطوير التصوير: الداجيروتايب

بعد وفاة نيبس، ابتكر شريكه لويس داجير طريقة الداجيروتايب، وخفّض وقت التعريض الضوئي إلى أقل من 30 دقيقة، مما ساعد على التقاط الصور أسرع. بقيت الشوارع خالية من الناس في الصور بسبب طول وقت الالتقاط، لكن التجربة شكّلت خطوة كبيرة في تطور التصوير الفوتوغرافي.

بعد محاولات عديدة في التصوير، تمكّن المصوّر أخيرًا من إنتاج صورة ناجحة أظهرت مشهدًا فريدًا لشخصين أحدهما ماسح أحذية والآخر زبونه. كانا يقفان في مكانهما طوال مدة التعريض الضوئي، مما جعلهما يظهران بوضوح في الصورة بينما اختفى كل ما حولهما نتيجة حركة الشارع المستمرة. مثّلت هذه التجربة خطوة مهمة في تطوّر فن التصوير في انتاج صورة بطريقة أسرع ودقتها أعلى وحجم كاميرا أصغر.


من عربات الاستوديو إلى كوداك

ساعدت الحكومة الفرنسية في تسريع تطور الكاميرا عندما اشترت براءة اختراع داجير عام 1839 وقدمتها للعالم مجانًا. في عام 1855، أطلق المصورون استوديوهات متنقلة على عربات تجرها الخيول لتسهيل التصوير في الخارج.

 

شهدت نهاية القرن التاسع عشر ثورة كبيرة بفضل (جورج إيستمان)، مؤسس شركة (كوداك إيستمان) عام 1892 اخترع (إيستمان) الفيلم الملفوف، الذي سهّل عملية التصوير وألغى الحاجة للتعامل مع المواد الكيميائية الخطرة.كانت الكاميرا التي تحتوي على فيلم يسع مئة صورة تُباع بـ25 دولارًا فقط، وأصبحت كلمة “كوداك” مرادفة لكلمة كاميرا في تلك الحقبة.


كاميرا الماموث: أكبر كاميرا بالتاريخ

في عام 1900، صنع المصور جورج لورنس كاميرا الماموث، أكبر كاميرا فوتوغرافية في العالم، ويبلغ وزنها 408 كغم. صُممت لتصوير قطار الأحلام في شيكاغو، وكانت الصور الناتجة مدهشة لدرجة أن المسؤولين في باريس شكوا في كونها حقيقية. المصور جورج لورنس حصل على جائزة عالمية تقديرًا لإبداعه.

قامت سكة حديد شيكاغو بصناعة قطار الأحلام للمشاركة في معرض باريس، وقرروا تصويره بدلًا من نقله لتوفير التكاليف. نظرًا لجمال القطار، احتاجوا لصورة خيالية وفريدة. استعانوا بالمصور جورج لورنس، الذي صمّم كاميرا ضخمة لالتقاط الصورة. عندما أرسل جورج لورنس الصورة إلى باريس، أعجب بها المسؤولون جدًا لدرجة أنهم شكّوا في وجود الكاميرا نفسها. تحقق القنصل الفرنسي في نيويورك من وجود الكاميرا، ومنح لورنس جائزة عالمية للتميز في التصوير الفوتوغرافي.


الكاميرا الحديثة والثورة الرقمية

في عام 1914، اخترع الألماني أوسكار برنغ أول كاميرا تعمل بفيلم 35 ملم، وبدأ بيعها تجاريًا عام 1925.

وشهد عام 1975 ظهور أول كاميرا رقمية في التاريخ على يد المهندس (ستيفن ساسون) العامل في شركة كوداك، وكانت الكاميرا تلتقط صورًا بدقة 0.05 ميغابيكسل فقط، ولا يمكن مشاهدتها إلا عبر شاشة التلفاز ورغم أن الاختراع كان ثوريًا، إلا أنه تسبب لاحقًا في إفلاس شركة كوداك لأنها لم تواكب التحول الرقمي.

على عكس شركة فوجي اليابانية التي تبنّت تقنية الديجيتال بسرعة. ومنذ تسعينات القرن العشرين، بدأت عدة شركات في تصنيع الكاميرات الرقمية، حتى أصبحت اليوم جزءًا أساسيًا من الهواتف الذكية، مما جعل التقاط الصور أمرًا بسيطًا يتم بضغطة زر واحدة ويُظهر تاريخ الكاميرا الطويل رحلة ممتدة من الفلسفة والعلم والأسطورة إلى التكنولوجيا الحديثة، فمن الغرفة المظلمة للحسن بن الهيثم إلى الكاميرات الرقمية المتقدمة، قطع التصوير الفوتوغرافي شوطًا هائلًا في فهم الضوء وتوثيق اللحظة.


الخلاصة

من الغرفة المظلمة للحسن بن الهيثم إلى الكاميرات الرقمية الحديثة، مرت صناعة التصوير برحلة طويلة من الاكتشاف العلمي والابتكار. ساهم العلماء والفنانون عبر قرون في تطوير اختراع الكاميرا، مما مكن البشرية من توثيق اللحظات وفهم الضوء والفن بشكل أفضل.


إذا حابين تعرفوا المزيد من التفاصيل عن تاريخ الكاميرا واختراعاتها المختلفة، فيكم تشوفوا حلقة اليوتيوب بعنوان: “مين مخترع الكاميرا الحقيقي”، لتتعرفوا على القصة كاملة بطريقة ممتعة ومرئية.